عاجل

«ريبيل ريدج».. صياغة مدهشة لحقائق مبطنة - بوابة فكرة وي

0 تعليق ارسل طباعة

مارلين سلوم

من يبحث عن أسماء كبار النجوم كي يثق بفيلم ما ويقرر مشاهدته، يفوته الكثير ويقع في فخ المعتمِد على المظاهر فقط، فليست كل أفلام «الكبار» ناجحة، وهناك مجموعة من الأفلام لممثلين يسيرون على طريق النجومية ويستحقون الفرص الكبيرة، ما يوجب التوقف عندها والاستمتاع بمشاهدتها، مثل فيلم «ريبيل ريدج» المعروض حديثاً على منصة «نتفليكس» والقائم على كتفي بطله الأول آرون بيير الأقل شهرة وانتشاراً من النجم المعروف الذي يسانده في الدور الثاني دون جونسون. تجربة رائعة وعمل يستحق المشاهدة والتصفيق لكل فريق عمله وعلى رأسهم مؤلفه ومخرجه الذي يقدم فيلماً يقطع الأنفاس ويجبرك على متابعته مندهشاً لأكثر من ساعتين.
لا يهدر الكاتب والمخرج جيريمي سولنييه وقته في مقدمات يعتمدها أغلبية المؤلفين والمخرجين الأمريكيين، فيدخل مباشرة في قلب فيلمه «ريبيل ريدج» ليجبرك على متابعة كل الأحداث بانتباه شديد، ما يشكل لك أول مفاجأة، فكل تفصيلة مهمة وكل موقف مرتبط بما يليه بشكل مباشر، وكل معلومة تشرح لك أبعاد القصة وأسبابها. سولنييه هو مخرج «بلو روين» و«جرين رووم» ويعتبر أحد أفضل صناع الأفلام المبنية على قصص اجتماعية عن المواجهات بين الخير والشر، قصص مليئة بالتوتر وتشد الجمهور وتحمله على التفكير والتساؤل ما إذا كانت مأخوذة عن قصص حقيقية حصلت في الواقع أم لا. ويقول سولنييه إن «ريبيل ريدج» يستند إلى حقائق «قد تكون حدثت» في الواقع، وهي موجودة فعلياً وإن لم ينقلها بحذافيرها وبشخصياتها إلى الشاشة.
كما قلنا، لا مقدمة تمهيدية، ندخل مباشرة إلى المشهد الأول، حيث نرى شاباً أسمر البشرة بنيانه البدني قوي يوحي بأنه رياضي، يقود دراجته الهوائية حاملاً حقيبة على ظهره ويضع سماعات في أذنيه يسمع أغنية، تلاحقه سيارة شرطة ثم تصدمه فيسقط مصاباً إصابة بالغة في ساعديه. الشرطي يبدأ تفتيش الشاب تيري ريتشموند (آرون بيير) وهو يلقي عليه مجموعة اتهامات منها أنه امتنع عن الاستجابة للشرطي والتوقف، وأنه حاول التهجم على الشرطي وشتمه. طبعاً افتراءات متتالية قادرة على استفزاز أي إنسان فيثور ويغضب ليدافع عن نفسه، بينما تيري حافظ على رباطة جأشه وتمتع بهدوء نستغربه فيبدو حكيماً عاقلاً مدركاً جيداً لأبعاد ما يحاول دفعه إليه الشرطي، حافظاً للقانون وبنوده ولحقوقه الشخصية وكيفية التصرف مع الشرطة وما يحق للشرطي فعله وما يعتبر تجاوزاً قانونياً منه. هنا تساورك شكوك حول حقيقة تيري وبأنه ربما يكون شرطياً بالأصل. خلال تفتيش حقيبته من قبل الشرطيين إيفان مارستون (دايفيد دانمان) وستيف لان (إيموري كوهين) يتبين أنه يحمل 36 ألف دولار يقول إنه جاء بها ليدفع كفالة ابن عمه مايك (سي جاي لوبلان) وعليه تسديد عشرة آلاف دولار كفالة قبل أن يتم ترحيله إلى سجن الولاية، شارحاً لهما ضرورة تسديد المبلغ اليوم بالذات لأن ترحيل ابن عمه سيعرضه للخطر حيث سبق أن أوقع بتجار للمخدرات وأوشى بهم، ودخوله السجن نفسه الذين يتواجدون فيه يعني قتله على أيديهم.
لم يعر رجلا الشرطة تلك الرواية أي أهمية، وبعد إطلاقهما سراح تيري ومصادرتهما المال، ذهب الشاب إلى مركز شرطة هذه البلدة الصغيرة في لويزيانا، ليقدم شكوى ويطالب باسترداد أمواله كاشفاً عن مصدرها من بيع سيارته. هناك يظهر رئيس المركز ساندي بيرن (دون جونسون) الذي نتوقع منه أن يقف بجانب الشاكي ويحاول إصلاح الخطأ، فنفاجأ برد فعل بيرن وتعنته ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة. ساندي بيرن يبدو مبتسماً هادئاً، لكننا نكتشف أنها ابتسامة اللؤم والخبث، يكتشف تيري أن رجال الشرطة يشبهون قطاع الطرق، صادروا أمواله لأنها فرصة لإضافة أموال إلى خزينة المركز، هم عصابة يقومون بأعمال مالية فاسدة في بلدة صغيرة يديرها ساندي بيرن، ويتبين أنهم قاموا بعمليات مشابهة كثيرة وظلموا مسجونين وتسببوا في إطالة فترة إيقافهم لأكثر من 90 يوماً فما السبب؟ وهل اختار رجال الشرطة تيري لأنه أسمر البشرة؟
عنصرية
سولنييه يلمّح بشكل كبير إلى الفكر العنصري المتطرف الذي مازال سائداً في ولايات عدة في أمريكا، والأهم أنه يكشف وجهاً من أوجه الفساد التي تسود في مراكز الشرطة وتتسبب بقتل وسجن والافتراء على أبرياء، ويستند هؤلاء إلى بعض النقاط التي يعرفون كيف يستغلونها ليفلتوا من المحاكمة أو كشف الحقيقة، خصوصاً أنهم يعتمدون على تهديد ضحاياهم ويعرفون جيداً أن الضحية لن تتجرأ على قول الحقيقة، وهو ما لم يحصل مع تيري، لأن بيرن ورجاله لم يكونوا على علم بحقيقة هوية ضحيتهم هذه المرة وقدراته القتالية العالية وفكره ودهائه في التخطيط العسكري، لأنه خدم في مشاة البحرية وقاتل في العراق ويتمتع ببنيان جسدي صلب وتمرّس على التحكم بأعصابه حتى إيقاع عدوه في الفخ.
معركة
شد وجذب ومخططات وحنكة ومواجهات وكر وفر.. هكذا تتوالى الأحداث وهكذا نبقى مشدودي الأعصاب مترقبين لما سيأتي وكيف سيخرج تيري من هذه الأزمة التي تتحول إلى قضية كبرى ثم معركة قتالية. يلجأ تيري إلى المحكمة ليدفع المبلغ ويستخرج سند إخلاء سبيل ابن عمه فيصادف كاتبة المحكمة سمر (آنا صوفيا روب) التي تحاول مساعدته في السر، وتكمل معه رحلة نضاله ضد السرقات والعنصرية والفساد الذي يسود في هذه البلدة. كيف يمكن لتيري استعادة أمواله في الوقت المناسب لإنقاذ ابن عمه مما قد يكون حكماً بالإعدام بسبب الخطر الذي يواجهه خلف القضبان؟ يعمل سولنييه وفقاً للبنية الأساسية «الخير ضد الشر»، ويدفعنا للتساؤل «كيف لم تنجح الشرطة الحديثة في القضاء على الفساد رغم كل التطور والانفتاح؟». يأخذنا المخرج معه بحالات صعود وهبوط في الأحداث، وكأننا أمام لعبة كرة مضرب بين تيري وبيرن ورجاله، أداء إخراجي رائع يشعرك بحالة الترقب الدائمة، خصوصاً حين يكتشف رئيس الشرطة بيرن أنه قلل من شأن هذا الخصم الآتي من خلفية عسكرية صلبة، وأن مخاوفه من انتقال ابن عمه إلى سجن الولاية حقيقية وفي محلها. لا يتوانى سولنييه عن اللجوء إلى «ويكيبيديا» خلال بحث الضابطة جيسيكا (زسان جيه) في مركز الشرطة عن هوية تيري فتقرأ لرئيسها بيرن المعلومات. ذكاء سلونييه يمشي بنا صعوداً مع كل مشهد، ويصل في النهاية إلى مشهد إطلاق نار يكون الذروة، ولا يهبط بنا إلى نهاية حتمية يمكننا أن نستنتجها قبل حدوثها، بل يكمل بمفاجآته فيرفع مستوى المشاعر لنصل إلى نهاية غير متوقعة ومنطقية ومُرضية. كما يكشف المخرج أن براعته في صناعة ومونتاج (قام به بنفسه) هذا النوع من الأفلام أفضل بكثير من معظم صانعي الأفلام الحديثة، خصوصاً أنه تم تصميم مشاهد الحركة بشكل جميل وأداء يقترب كثيراً من الواقع.
شهادة نجاح
كثيرة هي التفاصيل التي نتمنى الحديث عنها، لكنها قد تحرق الأحداث ومتعة اكتشافها، لكن من المهم الإضاءة على مدى الإثارة التي قد يشعر بها المرء عندما يرى عملاً مماثلاً يتمتع بهذا المستوى من الإبداع، فيلم يكتب شهادة نجاح كبرى لصانعه جيريمي سولنييه وبطله آرون بيير، علماً أن كل الممثلين المشاركين في هذا الفيلم تألقوا بحجم الدور الموكل إليهم.

[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق