«حوار مع صديقي المُلحد».. هل نجح مصطفى محمود في مناقشة؟ - بوابة فكرة وي

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«حوار مع صديقي المُلحد».. هل نجح مصطفى محمود في مناقشة؟ - بوابة فكرة وي, اليوم الاثنين 23 سبتمبر 2024 11:44 صباحاً

في بداية السبعينات من القرن الماضي صدم الدكتور مصطفى محمود الوسط الأدبي بكتابه «حوار مع صديقي المُلحد»، عرض فيه معالجه أدبية لأول حديث مع الفئات التي تنكر وجود الله عز وجل، إذ فتح حوارا مع شخصية مجهولة الهوية تمثل هذه المجموعة، في الوقت الذي ترسخ في العقل الشرقي فكرة «الملحد دا كافر حرام تقعد معاه أو تناقشه»، ومع انتشار هذا الفكر البعيد عن الفطرة السليمة في مجتمعنا، والذي يدعمه الغرب بقوة، أطلقت «الوطن» حملة الهوية الدينية المصرية.. الطريق إلى الله، تحت شعار الإيمان قوة واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.

كيف حاور الدكتور مصطفى محمود المُلحد؟

تعمد الدكتور مصطفى محمود أن يخاطب شخصًا مجهول الاسم لكنه عّرف صفاته جيدًا، ليكون هذا المُلحد المجهول ممثلا لفئة كاملا تشترك في صفات معينة، يحبون الجدل ويعشقون الكلام، يعتقدون بحد وصفه: «أننا نحن المؤمنون سذج نقتات بالأوهام ونضحك على أنفسنا بالجنة والحور العين وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها».

واستطرد الدكتور مصطفى محمود حديثه عن صديقه الملحد، أنه تخرج في إحدى جامعات فرنسا وحصل على دكتوراه وعاش مع الهيبيز وأصبح ينكر كل شي، ذلك لأن الكثير من الملحدين إن لم تكن الفئة كاملة حاصلين على شهادات عُليا ودرسوا في أعرق الجامعات، عاصروا أيضًا الفئات الشبابية مثل «الهيبيز» وهي موضة انتشرت فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت تعبر عن أسلوب حياة العديد من الشباب الغربى.

وكان نص الحوار في الكتاب كالتالي:

يقول الصديق مجهول الاسم ساخرا :«أنتم تقولون: أن الله موجود، وعمدة براهينكم هو قانون السببية الذي ينص على أن لكل صنعة صانعا ولكل خلق خالقا ولكل وجود موجدا.. النسيج يدل على النساج والرسم على الرسام والنقش على النقاش والكون بهذا المنطق أبلغ دليل على الإله القدير الذي خلقه».

وعاد ساخرا مرة أخرى وقال: «صدقنا وآمنا بهذا الخالق.. ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسأل ومن خلق الخالق.. من خلق الله الذي تحدثوننا عنه ألا تقودنا نفس استدلالاتكم إلى هذا.. وتبعا لنفس قانون السببية.. ما رأيكم في هذا؟»

وهنا أجاب الدكتور مصطفى محمود على لسان حال ملايين المسلمين المثقفين من يملكون وعيا دينيا يجعلهم في ثبات أمام ثقافة المُلحد الذي يحاول دائما أن يغلب خصمه بالحديث:«نقول لك سؤالك فاسد.. ولا مطب ولا حاجة فأنت تسلم بأن الله خالق ثم تقول من خلقه؟! فتجعل منه خالقا ومخلوقا في نفس الجملة وهذا تناقض».

وأضاف الدكتور مصطفى محمود: «والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تتصور خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته.. فالسببية قانوننا نحن أبناء الزمان والمكان، والله الذي خلق الزمان والمكان هو بالضرورة فوق الزمان والمكان ولا يصح لنا أن نتصوره مقيدا بالزمان والمكان ولا بقوانين الزمان والمكان، الله هو الذي خلق قانون السببية فلا يجوز أن نتصوره خاضعا للقانون الذي خلقه».

مناقشة الدكتور مصطفى محمود مع المُلحد

قرابة الـ5 صفحات يحاول فيها الدكتور مصطفى محمود إقناع صديقه بأن ما يعتقده عن الله عز وجل خاطئا، فهو خالق الكون الذي تنزه عن قوانين البشر فلا يحتاج إلى سبب لوجوده، لكنه بيده الزمان والمكان وسر الخلق منذ قديم الأزل، نعبده طاعة وحبا موضحا: «أرسطو استطرد في تسلسل الأسباب قائلا إن الكرسي من الخشب والخشب من الشجرة والشجرة من البذرة والبذرة من الزارع.. واضطر إلى القول بأن هذا الاستطراد المتسلسل في الزمن اللا نهائي لا بد وأن ينتهي بنا في البدء الأول إلى سبب في غير حاجة إلى سبب أول.. أو محرك أول في غير حاجة إلى من يحركه.. خالق في سبب غير حاجة إلى خالق وهو نفس ما نقوله عن الله».

واستند الدكتور مصطفى محمود إلى حديث الشيخ «ابن عربي» عن الله ورده على سؤال من خلق الخالق الذي كانت إجابته فيه كالتالي:«هو سؤال لا يرد إلا على عقل فاسد.. فالله هو الذي يبرهن على الوجود ولا يصح أن نتخذ من الوجود برهانا على الله.. تماما كما نقول أن النور يبرهن على النهار.. ونعكس الآية لو قلنا إن النهار يبرهن على النور» .

وعلى لسان «ابن عربي» فالله هو الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل لأن الله هو الحق الواضح وهو الحجة على كل شيء، الله ظاهر في النظام والدقة والجمال والأحكام.. في ورقة الشجر.. في ريشة الطاووس في جناح الفراش.. في عطر الورد.. في صدح البلبل.. في ترابط النجوم والكواكب في هذا القصيد السيمفوني الذي اسمه الكون.

القرآن خير دليل على وجود الله

وقال في حواره مع المُلحد:«القرآن يغنينا عن هذه المجادلات بكلمات قليلة وبليغة فيقول بضوح قاطع ودون تفلسف: وقل هو الله احمد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد».

وهنا يسأل «صاحبنا» ساخرا: «لماذا تقولون أن الله واحد.. لماذا لا يكون الآلهة متعددين يتوزعون بينهم الاختصاصات».

وكانت الإجابة عليه منطقيا، الخالق واحد لأن الكون كله مبني من خامة واحدة وبخطة واحدة.. فمن الأيدروجين تألفت العناصر الإثنان والتسعون التي في جدول مندليف بنفس الطريقة: بالادماج ، وإطلاق الطاقة الذرية التي تتأجج بها النجوم وتشتعل الشموس في فضاء الكون .

كما أن الحياة كلها بنيت من مركبات الكربون «جميع صنوف الحياة تتفحم بالاحتراق»، وعلى مقتضى خطة تشريحية واحدة تشريح الضفدع، الأرنب والحمامة والتمساح والزرافة والحوت يكشف عن خطة تشريحية واحدة نفس الشرايين والأوردة وغرفات القلب ونفس العظام، كل عظمة لها نظريتها.

وكانت حجة الدكتور مصطفى محمود في الإجابة على سؤال المُلحد «لماذا لا تتعدد الآلهة» بالغة، إذ استند إلى سنوات قضاها في التشريح ووصف بشكل دقيق كيف أن كل الكائنات الحية تتشابه في التشريح الداخلي تملك نفس العظام مع تحور طفيف يناسب شكلها الخارجي، الوحدة التشريحية في جميع الكائنات الحية هي الخلية، هي في النباتات، والحيوانات والإنسان نفس المواصفات، تتنفس وتتكاثر وتموت بنفس الطريقة، فأي غرابة بعد هذا أن نقول الخالق واحد، ولماذا يتعدد الكامل وهل به نقص ليحتاج لمن يكمله، إنما يتعدد الناقصون، ولو تعددت الآلهة لاختلفوا وذهب كل إله بما خلق وفسدت الأرض.

لكن مئات الأدلة وساعات المناقشة الطويلة لم تقنع المُلحد وتعيده إلى طريق الله، فكتب الدكتور مصطفى محمود في نهاية الكتاب:«وحينها كنت أعود وحدي تلك الليلة بعد حوارنا الطويل كنت أعلم أني قد نكأت في نفسه جرحا.. وحفرت تحت فلسفته المتهاوية حفرة سوف تتسع على الأيام ولن يستطيع منطقه المتهافت أن يردمها».

وأضاف: «قلت في نفسي وأنا أدعو له.. لعل هذا الرعب ينجيه.. فمن سد على نفسه كل منافذ الحق بعناده لا يبقي له إلا الرعب منفذا.. وكنت أعلم أني لا أملك هدايته.. ألم يقل الله لنبيه (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) ولكني كنت أتمنى له الهداية وأدعو له بها فليس أسوأ من الكفر ذنبا ولا مصيرا».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق